القدس ليست برشلونة

أعلن فريق برشلونة الإسباني لكرة القدم أنه توصل إلى اتفاق مع مؤسسة قطر أو (Qatar Foundation) لكي يضع اسم هذه المؤسسة العريقة على قميصه إلى جانب شعار اليونيسيف وذلك مقابل 220 مليون دولار أمريكي .
وستكون هذه المرة الأولى في تاريخ الفريق البالغ 111 عاما، التي يضع فيها إعلانا على قميص فريقه، مقابل مبلغ مالي، لأنه لا يتقاضى مقابلا من اليونيسيف منذ أن وضع شعارها على صدر لاعبيه عام 2006، بل إنه يدفع لهذه المؤسسة، التي تتبع الأمم المتحدة، وتعنى بحماية الأطفال، مليوني يورو سنويا.

ويخرج مدير الفريق الاسباني ليشكر قطر، لأنها أخرجت الفريق من أزمة مالية خانقة يمر بها ناديه.
كذلك تسعى قطرا، كما أعلنت مؤخرا، إلى إنفاق نحو100 مليار دولار (تصورا يا عرب، مليار)،على مدى السنوات الخمس المقبلة، في إطار تحضيراتها لاستضافة كأس العالم في 2022 .

في نفس الوقت، وعلى الجانب الأخر، يصيح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان غاضبا، محبطا، أمام أعضاء المجلس الوطني المقيمين هناك: سأقول للعرب أن القدس بحاجة إلى دعم فعلي، لا خطابات! وذلك في إشارة منه إلى عجزه عن الحصول على 10 ملايين دولار لتمويل توسعة مستشفى المقاصد الخيرية في القدس العربية، ومؤكدا أن المبلغ أقرته قمة سرت العربية الماضية، وقيمته 500 مليون دولار للسلطة، لم يصل منه سنت واحد، حتى اللحظة.سجل يا تاريخ، 22 دولة عربية لم ترسل دولارا واحدا للقدس المحاصرة، الذبيحة، المهانة، التي تحتضر، ودولة واحدة ترسل لفريق كرة قدم لوحدها 220 مليون دولار.سيزهو الفريق الاسباني طربا بأموال العرب وعوائد نفطه، كما سيشتد بكاء الأقصى وكنيسة القيامة، ومستشفى المقاصد، من الظلم الذي يلاقيه من المحتل، وأيضا من اللامبالاة التي يلاقيها من ذويي القربى.
السؤال الذي سوف يخطر على بال أي قارئ: ترى، لو رصدت الدول العربية، وليس قطر لوحدها، 100 مليار دولار للقدس، وبغداد، والخرطوم، ومقديشو، هل سيبقى فيها فقير أو عاطل عن العمل؟
المقدسي، عزام أبو السعود، يقول إن إسرائيل تنفق سنويا على الأحياء الاستيطانية في الشطر الشرقي من المدينة أكثر من 500 مليون دولار، بهدف تهويد المدينة وتفريغها من سكانها ومؤسساتها.ويضيف أبو السعود بحسرة: لو أن جزءا من الأموال التي خسرها أحد الأثرياء العرب، في غمرة الأزمة المالية العالمية، استثمرت في مدينة القدس، لأمكننا من حماية المدينة لـ 100 عام على الأقل، من خطر التهويد. مضيفا: أن القدس لا تطلب أموال زكاة من العرب والمسلمين، ولكنها بحاجة إلى استثمار حقيقي من الأموال الفلسطينية، والعربية، والإسلامية . أتخيل أن أحفادنا، في يومٍ ما، يقرؤون ، أن دولة عربية، اسمها قطر، صرفت 220 مليون دولار على شعار مثبت على صدر فريق اسباني، و100 مليار دولار لكأس العالم، وفي نفس الوقت، المجاعات والحصار، والتضييق والخناق، يلف المقدسات الإسلامية في القدس، ويلتهم أرضها، كما أيضا في بلاد الرافدين، ودول عربية أخرى. أنهم سيلعوننا ألف لعنة وسيلعنون عصرنا شر لعنة.إليكم فيما يلي تعليقي على ما قرأته. القدس ليست عندهم بمثل برشلونة وحسرتاه على أمة العُرْب.
وهذا يذكرنا بقول الأمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه عندما قال
تموت الأسُدُ في الغابـات جوعـا ولحـم الضـأن تأكلـه الـكـلاب
وعبـد قـد ينـام علـى حـريـر وذو نسـب مفارشـه الـتـراب

ومن قبيل المقارنة بين ما يقدمه عرب اليوم وعرب الأمس، لا يسعني إلا أن استذكر أكبر إنجاز بشري أو خدمة إنسانية قدمتها امرأة عربية مسلمة، وهي السيدة زبيدة، أو كما يحب البعض أن يسميها الأميرة زبيدة. ففي أيامها لم تكن مشكلة القدس قائمة ولا مشكلة الفلسطينيين أو العراق أو مجاعة الصومال، إنما اكتشفت مشكلة كان يواجهها الحجاج في طريقهم إلى الحج. وهي نقص المياه والطعام على طريق يستمر أشهر. لقد قدمت تلك السيدة أعمالا جليلة للبشرية. ولو كانت جائزة نوبل قائمة في تلك الأيام لكانت أول ما فاز بها عن جدارة حقيقية. إنها لم تقدمك لأي فريق رياضي من الإفرنج 220 مليون دولار ولم تقدم مليار من أجل استضافة كأس العالم، بينما نصف المسلمين والعرب من أكثر الناس فقرا وتخلفا.عندما خرجت الأميرة زبيدة مع زوجها هارون الرشيد إلى الحج من بغداد إلى مكة المكرمة، وهو الوحيد الذي كان يحج ماشيا من دون الخلفاء الراشدين، استرعى انتباهها أثناء الطريق أن الحجاج يحتاجون إلى الماء ولا يجدوه في رحلتهم الشاقة. فما كان منها إلا أن ابتكرت مشروعا يلبي احتياجات الحجاج عن طريق شق مجري النهر وفيه عيون من الماء تمتد من العراق إلى مكة المكرمة. تصورا يا عالم من بغداد إلى مكة المكرمة، تشق طريق الماء وبوسائل بدائية. فلو طُرحت تلك الفكرة في أيامنا هذا لقوبلت بالتسفيه والاستهجان.لقد بدأت بتنفيذ الفكرة بعد أداء مناسك الحج واتخذت قراراً ببناء عيون الماء، وجمعت المهندسين والعمال والقياديين وأمرتهم ببناء العيون مهما بلغت تكلفتها قائلة: "لو كلفني هذا المشروع كل ضربة فأس بدينار فإني مقدمة عليه". وقامت بعمل مسح شامل وتبين أنها تحتاج إلى 20 عين من بغداد إلى مكة، فأمرت بحفر العيون، وأنفقت على هذا المشروع ما يقدر بمليون وسبعمائة ألف مثقال ذهب.خلال العمل في المشروع تساءل الناس حول كيفية ربط العيون ببعضها البعض، فشقوا المجاري لكي يجري الماء من عين إلى أخرى ، وكل عين كان لها مجرى من الماء على اليمين واليسار، وبذلك اتصلت كل العيون بمجرى مائي من بغداد إلى مكة المكرمة، الخطوة التالية كانت كيفية المحافظة على الماء ليبقى بارداً، فاقترح المهندسون أن يغلقوا هذا المجرى ويقوموا بعمل بعض الفتحات حتى يتسنى للحجاج استخدام الماء في الوضوء والشرب أثناء طريق الحج الطويل، كما حاول القائمون على البناء تصميمه بحيث لا يتأثر بالسيول أو بالعوامل الجوية كي لا يهدم هذا السد حتى عندما يأتي السيل، وسميت "بعين زبيدة"وبالفعل نُفِذ المشروع ليكون من أهم الأماكن التاريخية الهامة في المملكة العربية السعودية، والتي لا يزال آثارها قائمة منذ آلاف السنين حتى يومنا هذا، وخلد معه تاريخ هذه المرأة العظيمة التي كان هدفها سقاية الحجاج.وبعد إنجاز المشروع بنجاح، جمعت السيدة زبيدة المهندسين وكل خبراء العمران وكل العمال الذين عملوا في المشروع. وعندما قدموا الدفاتر حتى يتحاسبوا، فما كان من السيدة زبيدة إلا أن ألقت بجميع الدفاتر التي تضم الحسابات في نهر دجلة بالعراق، رافعة يديها إلى السماء قائلة: "الحساب ليوم الحساب، لا نريد أن نتحاسب وإنما أريد أن استشعر أن كل ما أنفقته لله، ومن عنده من الدراهم فهو صدقة له". ومن الجدير بالذكر أن تكاليف المشروع بلغت مليون وسبعمائة ألف مثقال ذهب على نفقتها الخاصة. فلو افترضنا أن أوقية الذهب الآن 1800 دولار فكم يا ترى ستكون التكلفة؟حتى وقتنا هذا، يستفيد الجميع من مشروع "عين زبيدة" الذي تظهر آثاره من جبل عرفة ، وتحاول الحكومة السعودية الآن تطوير وإحياء المشروع من جديد.والآن اترك للقراء الحكم والمقارنة بين ما تقدمه دولة قطر العتيدة من خدمة للإفرنج وما قدمته هذه السيدة العظيمة من خدمة جليلة للعرب والمسلمين. تخيلوا لو كان عندنا زبيدة ثانية الآن وعلمت بما تعاني منه فلسطين ومستشفيات فلسطين من احتياجات، فما ستفعل. لقد استمعت مؤخرا إلى مندوب إسرائيل في جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن فلسطين يرد على بعض الوفود التي ركزت على احتياجات الفلسطينيين الماسة. قال لهم مندوب إسرائيل، وهي كلمة حق أريد بها باطل، الفلسطينيون ليسوا بحاجة إلى مساعدة الدول الأخرى، لدى العرب فيض من الثروات لسد احتياجاتهم. واستشهد بتكلفة طائرة الوليد بن طلال. وقال لهم إن ما أنفقه الوليد بن طلال على طائرته يكفي ويفيض عن احتياجات الفلسطينيين الحالية.
مع تحيات شعلان عليان